هل سبق أن شعرت بالصِغر والتفاهة في عالم يعيش فيه سبعة بلايين شخص، حيث تدور الأخبار كلها عن الحركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة والأشخاص المؤثّرين والمتميزين والمُهمين على مستوى العالم كله والمتمتعين بالسلطة والهيبة الكثيرة؟ إذا حدث هذا، فلا تسمح له بأن يحبطك أو يُتعِسك.

تجد عبر الكتاب المقدّس أن كل القوى السياسية الهائلة والتعقيدات الصناعية العملاقة تجري بتوجيه من الله، حتى من دون إدراكنا لذلك. فهو يعمل في الخفاء وكواليس الأحداث. وهو لا يسمح للبشر بأن يأخذوا العالم إلى مصير لا يخدم مقاصده. فإرادته فاعلة وحكمته عاملة. ولا تحدث التطورات والأحداث لأجلها، بل من أجل جماعة الله المؤمنة الصغيرة. فكِّرْ مثلًا في قصة مريم ويوسف. هل فكرت يومًا بالطرق التي رسم الله بها الأشياء عندما حان الوقت لسفر أبوي المسيّا – وهما شخصان صغيران غير مهمّين لم يسمع أحد بهما – من الناصرة إلى بيت لحم لكي يحققا نبوءة ولادة المسيا في بيت لحم؟ «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ». (ميخا 5: 2) لقد وضع الله في قلب قيصر أوغسطس أن يجري إحصاء للساكنين في الإمبراطورية الرومانية كل واحد في مسقط رأسه حتى يسجل يوسف اسمه واسم مريم في بيت لحم. فأصدر مرسومًا للعالم كله لكي يقطع شخصان سبعين ميلًا! يحرك الله الجبال والإمبراطوريات ليحقق كلمته ويبارك أبناءه ويحقق مقاصده.

واستخدم الله في سيادته وقدرته وحكمته ورحمته محنة يوسف لينقذ ويبارك شعبه. تعرّض يوسف في مقتبل صباه إلى الظلم، حيث باعه إخوته الذي حسدوه على تفضيل أبيهم له ليصير عبدًا في مصر. ووُجهت إليه اتهامات كاذبة، فوضع في السجن فترة من الزمن. ربما ينظر أحدهم إلى هذه الأمور على أنها شر تامّ ولا معنى لها. وربما تساءل يوسف نفسه لماذا كانت تحدث هذه الأشياء له وكيف سمح الله بذلك. لكن الله استثمر هذه التطورات لتطوير يوسف وتنمية معدنه الأخلاقي. ففي السجن أظهر حُسن إدارته وحكمته وكياسته ولطفه وقدرته على فهم الأحلام وتفسيرها. وتأخرت توقعاته وآماله في الخروج من السجن واستدعاء فرعون له. لكن الله لم ينسَ يوسف. ففي الوقت المناسب، حرّك الله الساقي الذي سبق أن كان في السجن مع يوسف وفسر له حلمه إلى إخبار فرعون عن يوسف. وصار بموجب مرسوم من فرعون آمرًا على مصر كلها، وتمكن من إنقاذ عائلته من مجاعة قاتلة. وسيأتي من خلالها المسيح المخلّص المنتظر.

 فلا تفكر لمجرد أنك تواجه محنة في عالمك الصغير من الخبرة أن الله ليس إلى جانبك. فالله إله كبير لأشخاص صغيرين. ولدينا ما يدعونا إلى الابتهاج في أن الجاهلين بوجودهم، أي كل الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء والمستشارين وزعماء العالم، سيتبعون مراسيم الله السيادية التي يصدرها أبونا السماوي. تقول أمثال 21: 1: “قلب الملك في يد الرب كجداول مياه، حيثما شاء يميله.” ويعني هذا أن الله سيعمل دائمًا على تحويل التيار من أجل إنقاذ شعبه وتقديسهم ومقاصده الأبدية لهم. وأنت ضمن شعبه!

فارس أبو فرحة